إشارات القرآن، ما أمر به وما نهى عنه لفهمها – الفصل الثالث

**** إشارات القرآن ما أمر به وما نهى عنه لفهمها الفصل الثالث

ولأمر الآن إلى العلة الثانية لعسر الفهم الذي حصل. وهي العلة الظرفية التاريخية. وهي شبه معلومة حتى للإنسان العادي الذي ليس له الثقافة الفلسفية الضرورية للتعمق في التأثير التاريخي الذي يغير قيم الشعوب. ويتبين ذلك من الموقف الاجماعي من المقابلة بين عصر الراشدين وما بعده. عندما أسمع “عبارة هم رجال ونحن رجال”، أقول لعل البعض يقولها عن حسن نية لأنه يتصور أن المقابلة علتها التشكيك في “رجولة” المعاصرين والمبالغة في “رجولة” السابقين وليس في مقابلة بين الموقف التأويلي المحدد للعلاقة بالثورة التي حدثت في الإسلام وحرفت بعد عصر الراشدين. والقول إن موقف التأويل أو أفق التأويل والفهم تغير، لا يعني مفاضلة بين العقول أو حتى الأخلاق، بل هو يعني تغير كيفي في فهم الرؤية الإسلامية من حيث هي ثورة في فهم “الديني” وعلاقته بالدنيوي” لم يكن معهودا ولم يكن من الطبيعي أن يفهم الفهم الذي يقترب منه، بل كان سيؤدي حتما للابتعاد عنه. وذلك خاصة في الموقف التأويلي أو أفق التأويل لبعدي هذه الثورة: كيف يمكن أن يفهم الناس نظاما دينيا من دون سلطة روحية أو كنسية أو مرجعية مسيطرة على الأذهان؟ هذا الرسول يقول له ربه “فذكر إنما أنت مذكر” = 1. لست وسيطا بين الله والمؤمنين. ثم يضيف “لست عليهم بمسيطر”= 2. إنك لست وصيا عليهم ما هذا؟ كيف يمكن أن يفهم الجاهلي أو من كان تحت الاستعمار الفارسي (المناذرة) ومن كان تحت الاستعمار البيزنطي (الغساسنة) هذا الدين الجديد الذي يقطع نهائيا مع النظامين اللذين ينظمان حياة الجماعات، أي التربية والحكم، ليعوضهما بأمر جديد لا سابق له في تاريخ الإنسانية؟ ولا أخفي أني شديد العجب من تمكن الرسالة الإسلامية السريع من القبول في البداية، فكونت أسس تحقيق مشروعها رغم أنها في قطيعة مطلقة مع أمرين: 3. مع النبوة نفسها إذ هذا رسول يخاطب الناس بالعقل والنظام وليس بالمعجزات والكرامات 4. مع أساسي النظام المعتادين وساطة التربية ووصاية الحكم كما لا أخفي كذلك أن النكوص إلى ما قبلها لم يتأخر كثيرا، إذ مباشرة بعد وفاة الرسول بدأ النكوص والفتنة الكبرى: قصة منا أمير ومنكم أمير ثم قصة الوصية ثم قصة الردة إلخ… ولولا الخلفاء الثلاثة الاول لما بقي أثر لدولة الإسلام طبعا مع التوفيق والوعد الإلهي بأن الإسلام سينتصر حتما. وهذا هو المقصود بالموقف التأويلي أو الأفق التأويلي الذي فقد والذي لا علاقة له برجولة من تقدم وعدم رجولة من تأخر، ولا بذكاء أولئك وغباء هؤلاء. الرجال هم الرجال والعقول هي العقول، لكن الافق التأويلي أو المنظور الذي يدرك طبيعة الثورة الحاصلة هو الذي غاب بسبب الفتنة الكبرى. ثم تدعم الآن بسبب الفتنة الصغرى. 1. فالأولى حاولت النكوص عن ثورة الإسلام إلى الثيوقراطيا التي يرفضها القرآن سواء كان على أساس الوصية في التشيع أو على أساس الغلبة في التسنن. 2. والثانية تتوهم تجاوز الإسلام بالعلمانية إلى الانثروبوقراطيا. فتبين أنهما “أبيسيوقراطيا” كما عرفهما القرآن. ثورة الإسلام التي كان من العسير فهمها، رغم أن الخلفاء الثلاثة الأول سعوا إلى حمايتها بالممارسة دون القدرة على صوغها النظري، هي التي حرفت لما نجحت الفتنة الكبرى فأدخلت الأمة في حروب أهلية دامت نصف قرن انتهت إلى الانتقال من الخلافة إلى الملك العضوض. والقائلون هم رجال ونحن رجال نوعان: 1. نوع هم أصل الانتقال إلى الملك العضوض وهم إلى الآن من توابعه. 2. ونوع ثاني هم أصل الانتقال من الخداع الثيوقراطي للأولين إلى الخداع الانثروبوقراطي لمن تصوروا أنهم حققوا ثورة على الثيوقراطيا فاتضح المشترك بينهما: الخداع الأبيسيوقراطي. والخداع الابيسيوقراطي أو دين العجل، هو وهم تحرير البشرية بجعلها كلها عبيدا لأصحاب المال (معدن العجل) ولأصحاب الإيديولوجيا (خوار العجل). العولمة وتوابعها من أنظمة العرب القبلية والعسكرية مجرد أدوات لمافيات تحكم العالم وتستعبد البشر بنظام البنوك والبورصات ونظام الاعلام والملاهي. يقولون إن الحداثة والعلمانية حررت البشر فإذا هما في الحقيقة استسلام لدين العجل أي لمعدنه ولخواره لاستعباد كل البشر مع وهم الحرية: لست أدري ما حرية من يرهن كل مستقبله ليكن رأسه في غرفة؟ وما حرية عقل من يشرب ليلا نهارا خداع الإعلام ويهرب من ذاته للملاهي والمخدرات؟ ما كانت تقوم الوساطة الكنيسة في التربية والحكم بالحق الإلهي في الحكم صارت تقوم به مؤسسات الإعلام والملاهي (كنيسة العصر) والحكم بالحق الطبيعي أي بالسلطان على المال وأكبر الادلة يوجد في أرقى ديموقراطية حالية نموذج الآخرين: أمريكا يحكمها مافيات المال والملاهي وبهما تحكم العالم. وطبعا لا بد من عصا غليظة لهما علاقة بالرمزين العلمة والكلمة. وتلك هي وظيفة القوة العسكرية والقوة الاستعلامية. فيكون العالم محكوما بأربع قوى أصلها العجل الذهبي: المعدن والخوار والمعدن مضاعف هو المال والسلاح والخوار مضاعف هو الاعلام والاستعلام. والأصل الدنيا أم العجل. ومن هو مطلع على القرآن الكريم يعلم دلالة رمز البقرة في سورة البقرة: كيف يكون ذبحها محييا للقتيل وللحقيقة التي ذهبت معه وكيف أن أصحاب العجل تلكأوا لئلا يذبحوها فذبحوها وما كادوا يفعلون. نحن اليوم أمام البقرة التي هي عبادة الدنيا والتي هي العولمة والتي تحكم الإنسانية ببعدي العجل. وإذا أنظمة الغرب لها القدرة على الخداع فتخفي دور بعدي العجل فتدعي أن الإعلام والاستعلام لمعرفة الحقيقة وليس لفرض الباطل، وأن النظام العالمي البنكي لتيسير التبادل، والكل يعلم كذب ذلك فإن حكامنا لأنهم متخلفون لا يستطيعون حتى اخفاء ذلك: هم يستعملون السلاح والمخابرات مباشرة.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي