1-ما المتوقع استراتيجيا من ردود إيران المحتملة على استفاقة سنة العرب وما الاحتياطات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار بمعنى الأنفال 60؟
2-ولكن قبل البحث في المسألة فلأحذر من أكبر خطر يعاني منه الفكر العربي : اعتبار العلاج الفلسفي المبني على المحددات الموضوعية “تفلفسا” بعيدا عن الواقع ظنا أنه ما يدرك مباشرة بالخبرة الرعوانية للقيادات العسكرية أو السياسية.
3-سؤالان إذن يقبلان العلاج الفلسفي العميق انطلاقا من المحددات الموضوعية للصراعات بين البشر. والهدف هو: معرفة استراتيجية العدو أولا وتأسيس استراتيجيتنا الفاعلة ثانيا ليكون سعيها بدارا بفعل حتى في حالة الرد الموالي لفعل العدو. فالرد على المتوقع من أفعال العدو فعل وليس رد فعل. ومن ثم فغاية المحاولة يمكن تلخيصها في مسألة واحدة: يكون الفعل العربي فعلا لا رد فعل إذا توقعنا فعل العدو لنجعله هو الذي يرد على فعلنا الذي لم يتوقعه.
4-الحل ممكن من خلال تحليل العناصر التالية التي من دونها لا يمكن فهم استراتيجية أي عدو:1-وصف محدد لوضع العدو الحالي.2-تحديد إمكانات فعله وعدمها.3-فنيات التعمية لديه.4-اختراقه لمجتمعنا-5-مدى استخفافه بقدراتنا.
5-ولنبدأ فنضرب مثال عاصفة الحزم دليلا على مدى استخفاف العدو بقدراتنا مع حرصه على الاعداد لغير المتوقع لعلم قادته بأن الاستخفاف المطلق بالعدو من أهم نقاط ضعف الاستراتيجيات. ومعنى ذلك أنه يستخف بالعرب لكنه يستعد في آن.
6-فكون العاصفة باغتته دليل على الاستخفاف بنا. لكن ما اكتشف من تخزين للسلاح في كل أنحاء اليمن -مثل لبنان- دليل على الاستعداد لحرب طويلة تكون بين أبناء الشعب اليمني ويبقى هو متفرجا لأنه يكون قد حقق في جنوب الجزيرة ما حققه في شمالها.
7-بدأت بهذا المثال لأبين أننا إزاء عدو ذكي ويخطط للبعيد بحيث إن العرب إذا لم تتجاوز مبادراتهم نار الهشيم فتصبح طويلة النفس لن ينتصروا.
8-ولنبدأ بوضع العدو: فبخلاف المبالغة في مدح ذكاء العدو من أبواق دعايته التي تمثلها مليشيات القلم المأجورة فإن هذا الذكاء قد خانه في مسألتين:1-خداعه لغيره بالردع الكلامي بقوة وهمية 2-جعل أي صدمة فعلية تفقده مصداقيته لدى شعبه أعني القوة الحقيقية الوحيدة في كل الحروب. ما يعني أن الاستبداد والفساد لحرس الثورة لا يختلف عن أنظمة العسكر العربية التي خسرت كل الحروب وأزالت شروط التنمية الحقيقية.
9-لذلك نراه الآن يبالغ في العنتريات حول قوته بعد العاصفة لعلمه أن ثقة شعبه به بدأت تتزعزع لأن العاصفة بينت بصورة واضحة عجزه في منع تدخل العرب في البحرين وخاصة في اليمن منذ عاصفة الحزم. وبمجرد النصر فيها سيكون مآله عين المآل في سوريا والعراق دون حاجة للتدخل لأن مفعول الدومينوا سيبدأ في العمل بشرط أن تمكن المقاومة السنية من أدوات تعطيل طيران بشار مثلا.
10-ولعنترياته دافع ثان:كيف يمرر اتفاقية لوزان التي هي في الحقيقة من جنس اتفاقية السلاح الكيمياوي مع بشار: واهم من يتصور الغرب يمهل عدوه. فهو ينهكه بسباق التسلح ليلهيه عن التنمية الحقيقية ويغريه بنموذج العيش الغربي ليفسد إرادة المقاومة لدى شبابه ثم يجهز عليه بما يبدو له وكانه تنازل له وتقديرا لقوته – استراتيجيته مع السوفيات.
11-وقادة إيران لا يجهلون حقيقتين:1-نظام الملالي في خطر داخليا وأي حرب فعلية ستسقطه. 2-وحدة إيران بخلاف الظاهر هشة لتعدد القوميات فيها. لكن القيادات العربية تتجاهلها للجبن أو لعدم الإيمان بحق أمة العرب في استئناف دورها لقيادة المسلمين في عالم لا يعيش فيه إلا الأقوياء بالحجم المادي وبالوزن الروحي.
12-الحروب الحديثة ذات كلفة لا تطيقها إيران إلا كذبا: يوم واحد منها بكلفة حرب كاملة في القرون الماضية دما ومالا مباشرة وبصورة غير مباشرة. ولهذه العلة وصفت إيران بأنها هر يحاكي انتفاخا صولة الأسد.
13-فالدخل القومي الإيراني مع عدد النفوس لا يكفي لجعل إيران قوة حقيقية. المعطيات الموضوعية تجعل إيران بلدا فقيرا. والصراع بين بقايا نظام الشاه وبقايا نظام الخميني يجري لصالح ما يتجاوزهما. إيران إذن بلد فقير وهش. وكل العنتريات عزاء من لا عزاء له.
14-والغرب يعلم ذلك علم اليقين: فنفس الخطة التي أسقطت الكاجي بي ستسقط حرس الثورة: الاستبداد والفساد ينهار بمجرد إفقاده حجة العدو الخارجي. والغرب يقدم على ذلك الإرهاق الاستراتيجي بجعل العدو يدخل في سباق تسلح يضعف القوة المادية أي الاستثمار الاقتصادي ويؤخر الإغراء بالنموذج الذي يجلب الشباب لنمط العيش الأمريكي فيضعف الحصانة الروحية.
15-وحصيلة الوصف: هشاشة النظام والبلاد في إيران قد تؤدي إلى سياسة إيرانية حذرة لا تغامر بالحروب إلا بأدوات من العرب أنفسهم: مليشيات إيران العربية قلما وسيفا وهو ما نراه بالعين المجردة. ولهذا السلوك الاستراتيجي غايتان: المحافظة على قوى نظامه وتعميق العداوات بين العرب ما يضعفهم وييسر محاربتهم إن اضطر العدو إلى ذلك عند اليأس من كل المهارب.
16-لكن الحذر واجب وهو يقتضي ألا نعتبر نتائج التحليل مهما كانت دقيقة حقيقة مطلقة فلا نستعد لإمكانية مغامرة العدو مغامرته التي قد تنتج عن الشعور باليأس كالمقامر إذ يلعب بكل ما عنده منتظرا ضربة حظ.
17-لذلك أشرت إلى الأنفال 60 :القوة عامة (العلمية والتقنية والاقتصادية)+رباط الخيل (الجيش والتسليح)+ الاستعداد لآخرين لا نعلمهم: المندسون.
18-عالجنا النقطة الأخيرة والنقطتين الأوليين وبقي علينا الكلام في .3-فنيات التعمية لديه.4-اختراقه لمجتمعنا.فما فنيات التعمية لدى العدو؟
19-أشرنا كيف أن خداع إيران لغيرها تحول إلى ورطة: كذبت على شعبها بادعاء قوة وهمية تبين عجزها في أي صدام فعلي في كل ما لقوتها به علاقة.
20-ففي حرب2006 وفي البحرين وفي تكريت وأخيرا في اليمن:لم تتدخل أصلا إلا بالكلام ولما حاولت كما في تكريت فضح سليماني “زورو” إيران: فضيحة مدوية لأنها علنية بخلاف ما تقدم عليها في جنوب سوريا. وما أذاقته المقاومة السنية لكل مليشيات الشيعة في الشام والعراق ليس له مثيل: تبين الفرق بين المقاومة الحقيقية للدفاع عن الحق والتظاهر بالمقاومة لتمرير الباطل.
21-فنيات التعمية نوعان أفرطت إيران في استعمالهما والغرب يتركها تفعل إذ هي لا تغالط بهما إلا شعبها والمنطقة العربية التي يراد لها أن تعيش بإخافة الأنظمة وقهر الشعوب الدائمين فتطلب الأنظمة حماية الغرب الذي يريدها أن تعادي شعوبها لخدمته بدلا من استمداد شرعيتها من حمايتها ورعايتها له : وذلك هو سر القوة الوحيد ما عداه اعتماد على من لا يعول عليه عند الشدة.
22-أول صنف من الإيهام هو الخطاب العنتري بهدف إحراج الأنظمة العربية إزاء شعوبها بالتركيز على نية القضاء على أسرائيل وتحرير القدس بالكلام. والصنف الثاني: مناورات التظاهر في الخليج وفي البحار وحتى في غزو الفضاء وهي عنتريات من جنس آخر تماثل عنتريات كوريا الشمالية: القوة الكاذبة لإخفاء الضعف الحقيقي.
23-وحتى من يجهل شروط التقدم العلمي والتقني ما هي يمكن أن يفهم أن ذلك وهم بمجرد موقف الصين والهند والبرازيل وحتى روسيا من قرارات الغرب
24-فهذه القوى رغم ما لديها مما لاوزن لإيران أمامه لا تستطيع عندما يجد الجد أن تتمادى في معاندة إرادة الغرب لعلمهم بالبون الكيفي الحقيقي.
25-ومع ذلك فالقوة الإيرانية يمكن أن تخيف أي بلد عربي إذا بقي وحيدا.لذلك فالتعمية الأخطر هي تخويف العرب بعضهم من البعض ليخطبوا ودها.
26-وذلك هو العنصر الاخير من مسألتنا: مدى اختراق إيران للأنظمة والمجتمعات العربية والخليجية خاصة.الخطر الأول والأكبر=قدم أخيل العربي.
27-والأنفال 60-أشارت إلى هذا العامل:”وأخرون لا تعلمونهم ألله يعلمهم”.إنهم الأعداء المندسون في الأنظمة والمجتمع.من أبناء الوطن=المنافقون.
28-أول ما يخيف هو استفادة العدو من هشاشة الأنظمة والتنافس عليها بين الحكام:فبمثل هذا حرمت الأمة من جهاد المرحوم فيصل لما عرفت نواياه.
29-ثاني ما يخيف: استفادة العدو من هشاشة المجتمع العربي بسبب طائفية البقايا الثلاث: بقايا الباطنية وبقايا الصليبية وبقايا عملاء الاستعمار.
30-فهذه الطائفيات الثلاث تتقوم بها مليشيات إيران وإسرائيل في وطننا سواء كانت بالقلم أو بالسيف وهي صنفان: العلني منها والمتخفي بالتقية.
31-من أهل التقية يتألف غالب النخب المحيطة بجل الأنظمة العربية في الخليج في أمورهم الفنية والإعلامية وإذن فالعدو مطلع على كل الأسرار.
32-والمفهوم الاستراتيجي للعورة يعني غياب شروط الحماية للتوقي من الغدر:وظائف دولنا كلها في وضع العورة لأننا لم نتحوط من اختراق العدو لها.
33-ويكفي مثالا الإعلام: فالاعلام صاحب الامكانات المادية والفنية خليجي بالاسم لأن من بيده خطوط التحرير فيه ندري من هم ولا ندري لمن ولاؤهم.
34-ولست أتهم الجميع.لكني أعمل بالأنفال 60 التي تنبهنا إلى عسر اكتشاف الاختراق حتى جعلت علم ذلك منفيا عنا ومنسوبا إلى الله نفسه: علم السرائر.
35-وهذا الحذر سلاح ذو حدين: فقد يذهب بنا إلى الإفراط في الشك فنكثر من الأعداء. لكن ذلك عادة ما يعتمد على أجهزة الاستعلام الحامي للذات.
36-وظيفة: جهازي الاستعلام السياسي والعلمي الصادقان وقاية الأمة من الشرور طبيعية كانت (العلم والتقنية) أو سياسية (المخابرات صادقة الولاء).
37-والخطر في هذه الحالة هو أن يصبح جهازا الاستعلام السياسي والعلمي مسيطرين على الدولة. لذلك فلا بد من جهاز أسمى منهما هو مراقبة شعبية على الجهازين بتوسط حرية الإعلام والنقد والاحتجاج بصورة لا يحدها إلا ما يحده المعنى القرآني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال حريات المواطن وحقوقه الاساسية.

إستراتيجية إيران نقاط الضعف و القوة – أبو يعرب المرزوقي