لتحميل المقال أو قراءته في ص-و-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
تنبيه مدير الصفحة
أعلمت الأستاذ بأن بعض المتكلمين ممن أشار إلى موقعهم في كلامه على ابن تيمية الأخير بدأوا يتنمرون. فقال: لا فائدة من الرد عليهم. فلنذهب إلى جذر المشكل أو حقيقة “علم”‘ الكلام. فعبارة علم الكلام تعني أنه ليس إلا كلاما.
فالكلام دال له مدلول لا يكون ذا فائدة ما لم يكن بالوسع بيان مطابقته لمرجع به تَصدُق الدلالة أو تكذب لأن العلم خبري بالجوهر. والكلام على الغيب لا مرجع له وإذن فلا يمكن تصديقه ولا تكذيبه. فدلالاته تحكمية تسمح للمتكلم أن يناور بلا حد ولا يمكن إسكاته أبدا: لذلك فهو “متكلم” ولا شيء غير ذلك.
لكن كلامه من أخطر الأمراض التي تصيب الأمم: فهو أصل كل الفرق التكفيرية في التاريخ. لكن وقاحتهم تجعلهم يسمون من يريد تحرير العقل الإنساني من أوهامهم بكل صفاتهم التي يسقطونها عليه. إنه أصل التعليمية والباطنية وكل الفرق التي خربت حضارة الإسلام لأنهم بخدمتهم للأجندات السياسية أصل الحروب الأهلية الدينية في كل الحضارات.
1-الموقف السني مما يسمى”بعلم الكلام”يبدو عسير الفهم.وعسر فهمه يبرز بصورتين: انقسام السنة إلى قابلة به ورافضة له وانقسام حياة كبار المتكلمين إليهما.
2-فالسنة تنقسم إلى سلفية وأشعرية.وكل كبار المتكلمين انتهوا في الغاية إلى نفي فائدة الكلام وعادوا إلى الموقف النافي للكلام.فما علة ذلك؟
3-وإذا كانت القسمة الأولى سلفية أشعرية يصعب أن يشكك فيها أحد فإن القسمة الثانية يمكن التشكيك فيها لأنها استقرائية وهي قلما تكون تامة.
4-لكن أهل الاختصاص يعلمون أن كبار المتكلمين حتى وإن لم يتفصوا بصورة مطلقة من الكلام فإنهم قللوا من علميته وفائدته: الغزالي وحتى الرازي.
5-كيف نفهم مشكل السنة مع الكلام؟ ولنبدأ بالقبول: يصعب الرفض مبدئيا لأن القرآن الكريم يبدو وكأنه يستعمل أسلوب حجاج جنيس للحجاج الكلامي.
6-ولعل هذا التماثل الظاهري هو الحجة الأساسية التي يبرر بها الأشعري علم الكلام.وهذا الموقف قبل انحراف الكلام الأشعري المتأخر يبدو معقولا.
7-كيف؟ فهو كلام يتعلق ببيان حدود الكلام إذ كان مداره بيان استحالة إثبات قضية الاصلح والتحسين والتقبيح عقلا: هو إذن كلام في حدود الكلام وقدرات العقل.
8-لكن الكلام في حدود الكلام ينحرف بالتدريج ليعود إلى جوهر الكلام الذي هو مبني على مبدأين كلاهما يعود إلى الرجم بالغيب أو إلى نفيه أصلا.
9-المبدأ الأول هو قيس الغائب على الشاهد ظنا أن الغائب جنس واحد قابل للمقارنة بالشاهد أي الخلط بين الغائب والغيب فيقاس الغيب على الشاهد.
10-المبدأ الثاني هو التأويل وهو نتيجة للمبدأ الأول: إذا كان الشاهد مقياس الغائب والغيب فيمكن رد القول الديني حوله إلى القول العقلي حوله.
11-إذن مبدآن إذا جمعت بينهما فهمت علة رفض فرع السلف من السنة للكلام: فهو نفي الغيب وفي الحقيقة نفي للحاجة إلى الوحي في العقائد والشرائع.
12-ما الحل مع اعتراض”الأسلوب الحجاجي القرآني” الذي لا ينكره إلى معاند وجاحد لما هو بين بنفسه لأن غالب الأدلة الكلامية تبدو مستوحاة منه (ابن رشد مناهج الأدلة)؟
13-ما من أحد له دراية بالفن يجهل كتاب الغزالي “القسطاص المستقيم”.فقد ذهب ليس إلى التماثل الحجاجي فحسب بل إلى الوحدة الشكلية بالمعنى المنطقي.
14-وما يمكن أن يغيب عمن لا يريد أن يدقق هو أن الغزالي في نفس الكتاب بين علة كتابته له وهي مضاعفة: فهو أولا للرد على الفرقة التعليمية التي تدفن العقل نهائيا.
15-ذلك أن من يريد نفي العقل لتأسيس التعليمية (أي علم الإمام المعصوم بديلا من المعرفة العقلية) يجعل القرآن قائلا بالتعليمية والكنسية.
16-أما العلة الثانية فهي ظرفية -إذ حاشا أن يكون الغزالي ماكرا بالإسلام- وتتمثل في إلباس النقلي شكل العقلي و العقلي مضمون النقلي الذين صارا”موضة” وأصبحا أداة تبليغ.
17-إذا جمعنا المحذورين: عدم إطلاق إثبات المعرفة العقلية وعدم إطلاق نفسها نصل إلى طبيعة الاستدلال القرآني المؤسس على نظرية النقد المعرفي ومدى قدرات العقل وشفافية الوجود.
18-وتلك هي العلة التي جعلتني أعتبر المدرسة النقدية العربية (دور الفلسفة النقدية العربية و منجزاتها – موازنة تاريخية بين ذروتي الفكر الفلسفيتين العربية و الألمانية) منطلقة من فهم لنظرية المعرفة القرآنية: المقابلة بين عالم الشهادة وعالم الغيب.
19-المقابلة في القرآن للحد من أوهام المعرفة المطلقة وسلطة الوسطاء المبنية عليها والكلام بمبدئيه اللذين وصفنا عودة إليه واستئناف للكنسية.
20-لذلك فكل مذهب كلامي يصبح فرقة كنسية تعتبر غيرها كفارا وتؤدي إلى التكفير المتبادل.وإذن فعلم الكلام هو في الحقيقة “معمل” حروب التكفير بالجوهر.
21-الاستدلال في الحجاج القرآني مشروط بالإيمان بالغيب والاستدلال في الحجاج الكلامـي مشروط بالكفر به لتأسيس كنائس تدعي العقلانية وهي تعليمية.
22-ماذا يعني تعليمية: يعني أن كل رئيس فرقة يحدد عقيدة يعتبرها هي حقيقة الإسلام ويصبح “بابا” و”جورو” من يتبعه مؤمن ومن لا يتبعه كافر وهو وسيط.
23-طبعا هذه العلاقات المعقدة من العسير استعمالها لإقناع من يتبع “الجورو” الذي يقود الفرقة الكلامية. فهو سيستعمل كل التبكيتات السوفسطائية.
24-لسوء حظهم -ولا فخر- اختصاصي هو في علم سيد هذا العلم أرسطو. لذلك ففضحهم عندي من أيسر الأمور. ويكفي أن تحكم بينك وبينهم القرآن الكريم.
25-إذا قبل الاحتكام فالكلام معه ممكن.إن لم يقبل فلا كلام معه لأنه ليس مسلما.فيكون الكلام بمنظور الكلام الفلسفي الخالص.وفيه لا مكانة لهم.
26-أن يكون القرآن بحاجة إلى معلمين ومفسرين هذا أمر لا خلاف عليه. أما أن يصبح المعلم صائغا للعقائد ومعتبرا صوغه لها أفضل من صوغ القرآن فهذا كفر به.
27-والقرآن الكريم صاغ عقيدة المسلم إيجابا وسلبا.والإيجاب تكفي فيه آية واحدة هي الآية 177 من البقرة.صاغت وجهيه الدنيوي والأخروي في آن.
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
28-وبعبارة نستعيرها من صنفي الكلام فالآية صاغت جليل المسائل ودقيقها لتنظيم حياة الإنسان المستعمر في الأرض بقيم الاستخلاف دون سلطة كنسية.
29-ولو اقتصرت العقيدة على ما ورد في الآية 177 من البقرة لما وجدت فرقا تكفر بعضها البعض.لكن صوغ عقائد يكفر من يخالفها هو معنى آل عمران 7.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ
30-أي تحريم المبدأ الثاني لعلم الكلام وتفسيره بعلتين: ابتغاء الفتنة بسبب مرض في القلب. تلك هي العلة التي جعلت السلف يحرم علم الكلام.
31-وبهذا المعنى فأنا أتشرف بأن أكون سلفيا إلى النخاع لأني لا أكفر أحدا ومن ثم فلا علاقة لهذه السلفية بالسلفيات الحالية لأنها صارت كنائس.
32-ولنختم بفائدة خلدونية: فهو عندما دحض الميتافيزيقا وبين أنها تعود إلى جعل الإنسان مقياس كل شيء برد الوجود إلى الإدارك تدارك ما تداركه الغزالي في القسطاس.
33-بين أن بيان حدود قدرات العقل لا ينبغي أن يتحول إلى قول بالتعليمية أي إلى الحاجة إلى سلطة روحية بديلة من العقل تشرع للإنسان وتكون وسيطا بينه وبين الوحي: كنسية تدعي العقلانية او تنفيها وهما سيان.
34-وما نختم به خلدوني من حيث الفكرة: اعتمد ابن خلدون فكرة التناسب بين الميزان والموزون به. وبين أن العقل ميزان صحيح إذا كان ما وزن به هو ما ينبغي أن يوزن به.
35-ولا يوزن بالعقل إلا ما يقبل أن ينفذ الإنسان إلى مرجعه بأكثر من حاسة: إذا سمعت صوتا دون أن تراه فستفترض أنه صوت حيوان تعرفه مثلا. لكن لو خرجت ووجدت أنه صوت آلة تحاكي ذلك الحيوان فأنت عندك وسيلة التأكد من افتراضك المعرفي.
36-لكن إذا كان ما ترى مفعوله لا يقبل أن تنفذ إليه إلا بمفعوله فأنت لا يمكن أن تعلمه . لذلك احتاجت العلوم إلى التحقيق التجريبي. وما لا يقبل التحقيق التجريبي يكون إما علما فرضيا استنتاجيا مثل الرياضيات وفيه لا معنى للسؤال عن المطابقة مع مرجعية لأنه علم يصنع مرجعيته بمسلماته وفرضيات منطلقه النظري.
37-فهل نعامل الغيب بالمنطق الرياضي؟ ذلك هو الوهم الكلامي: الغيب نؤمن بوجوده أو لا نؤمن. فإن آمنا به امتنع أن نعتبر فرضياتنا حوله علما لأن شرط العلمية ممتنع وهو معنىى كونه غيبا أي إننا لا ننفذ إليه للتأكد من صحة فرضياتنا حوله.
38-وإن لم نؤمن به واعتبرنا فرضياتنا حوله هي حقيقته صرنا واضعين لدين جديد واعتبرنا الحقيقة لا غيب فيها وهو دين ممكن -الوضعية المشوهة لأن الوضعية الحقيقة تؤمن بأن علمها محدود ولا يعنيها ما وراءه- لكنه ليس الإسلام الذي نؤمن به والذي وضع أن الإيمان بالغيب من شروط الإيمان به.
39-والأهم من ذلك كله هو أن هذا النوع من الكلام لا تنطبق عليه مبادئ العقل الثلاثة التقليدية: فهو ليس كاذب ولا صادق بل هو غير مناسب لأن مدلول كلامه لا يقبل التطبيق على مرجع يمكن النفاذ إليه. ومن ثم فالثالث فيه غير مرفوع.
40-والعلة أن مبدأ الهوية لا ينطبق عليه: ذلك أننا لو علمنا هوية الغيب لما بقي غيبا. الكلام لا يقبل التصديق ولا التكذيب وإذن فهو ليس كلاما خبريا بل هو أفسد أنواع الإنشاء الذي يعود إلى تحكم طالبي الزعامة الروحية ومؤسسي الكنائس.
41-وكل هذه الأوصاف وردت في كلمتين قرآنيتين في الآية السابعة من آل عمران: ابتغاء الفتنة لمرض في القلب.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/