لتحميل المقال أو قراءته في ص-و-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
تمهيد:
طلبت من بعض طلبتي منذ بداية الثورة أن يعد لي كشفا عن مواقف الشباب العربي بجنسيه في الوطن العربي عامة وفي الخليج خاصة. وكان الطاغي في الكشف صورة تبين غلبة ما يمكن أن نسميه الضمأ لحقين طبيعيين يشعر المتابع أن الشباب بجنسيه يشكو من الحرمان منهما : الحرية والحب.
والتعبير عن هذا الضمأ كان بأسلوب يفيد بأنهما لم يبقيا حالين طبيعيين بتعبير موجب يمكن أن يؤسس لفعل مبدع بل هو بالاحرى تعبير عن معيقاتهما وما يكاد يقتصر على الحواجز التي تحرم الشباب من حقوق طبيعية.
وليس الأمر على ما هو عليه بسبب الشروط الشرعية للحرية والحب فهذه لا تمثل عوائق بل بسبب العادات والتقاليد التي وجدت في الشروط الشرعية ما يبرر نكوص الأمة إلى الجاهلية تماما كما حدث في نظرية الحكم والدولة : الشوكة سيطرت على الشرعية في كل مجالات الحياة الإنسانية بسبب الانحطاط.
وهذه محاولة لفهم الظاهرة انثروبولوجيا وفلسفيا من خلال التطور التاريخي للعلاقة بين الجنسين وطبيعة تقاسم العمل الاجتماعي الاقتصادي والثقافي بينهما ومآلات هذا التطور في الحضارة الإنسانية عامة وفي حضارتنا خاصة.
المحاولة والدافع إلى التعجيل بعرض بعض النتائج
هذا فصل من نظرية الاستراتيجيا.
الداعي إلى التعجيل بعرضه له صلة بما تكلمت عليه أمس: أهمية استرجاع المرأة العربية دورها في مقاومة الاستبداد والفساد بصورة عاجلة بسبب ما يجري اليوم في الدفاع عن المسجد الأقصى وصلة ذلك بظن الأعداء أنهم بذلك يهينون الإنسان العربي لعلمهم بالمنزلة التي يشغلها مفهوم الشرف والعرض عنده.
لكنهم من حيث لا يعلمون أعادوا الأمة إلى أهم قيمها أعني قيمة الجهاد الذي هو فرض عين على الرجال والنساء على حد سواء.
وأريد اليوم أن أبين أهمية هذا الدور الذي تؤديه المرأة وكيف فقدته الأمة ثم هي الآن تسترده وفي ذلك من الحكم ما يحتاج إلى فهم وتدبر.
دور المرأة الأساسي في الحضارة الإنسانية
فالتراتب بين الحماية والرعاية (وظيفتا الدولة) للثمرات المكانية (الثورة والطبقة) والزمانية (التراث والمنزلة المعنوية) هو الذي يجعل بدايات الإنتاج الرمزي (الفنون والأدوات وكل ما له صلة بالإبداع) نسوية أساسا.
ويتعلق الأمر في البداية بتقاسم الادوار. فللرجال دور الحماية والبطولات الحربية. وللنساء دور الرعاية والنبوءات والماورائيات والسحر (الكهانة) وكل ما له علاقة بالطبيعة من حيث هي مورد الحياة : أي الانتاج المادي.
فكل الآداب والفنون المرأة هي في آن موضوعها ومؤلفها لأن الاقتصار على الغذاء المحمي من قبل الرجال يعطيهن ما يكفي من الوقت لعمل الخيال والإبداع : المرأة محرك الإبداع وصائغه على الأقل في المجتمعات الأولى وجل الكاهنات نساء.
وهذا ما يعلل المفارقة في منزلة المرأة في المجتمعات البدائية ولعلها كذلك دائما : إنها في نظر الرجال “أمة معبودة” :
- إنها أمة لأنها تابعة للحامي.
- لكنها معبودة لأن الحامي مستعد للموت من أجلها.
وذلك للوصل لدى جميع البشر بين العرض والشرف حتى وإن اختلفت درجات هذا الوصل وشدته بين الحضارات المختلفة.
كما أن المرأة بسبب هذا الدور الحضاري وبسبب الخصائص الوظيفية عضويا تمثل الدنيا والآخرة في آن:
- فمن حيث هي مصدر أهم علاقة بالدنيا : تقديم الجمال والمتعة على الثروة لأن هذه وسيلة وتلك غاية.
- ومن حيث مصدر أهم علاقة بالآخرة : تقديم الجلال والشرف على الحياة التي لا تبقى غاية أمام الشرف بل تصبح أداة والشرف غاية.
ولعل الحربين العالميتين الأولى والثانية تثبتان هذه الحقيقة فضلا عن كونهما هما اللتان حررتا المرأة بحق في الغرب أو بصورة أدق فتحتا لهن المجال العام خارج الأسرة والمدرسة فأعدتهن لدورهن الذي كان لهن في بداية الحضارة الإنسانية. فما كان سائدا في المجتمعات البدائية من تقسيم جنسي للعمل الرجال للحرب والحماية والنساء للعناية وإدارة الأسرة والمجتمع في غياب الرجال عاد من جديد على الأقل خلال الحرب ثم أصبح الجنسان يشتركان في كل الوظائف بعدها .
وما كان ظرفا دائما في المجتمعات البدائية صار لا يظهر إلا في ظروف الحروب في العصر الحديث. ولما كانت المجتمعات الحديثة في شبه حرب دائمة أو هي على الأقل في استعداد مستمر للحرب بسبب التنافس على المكان وثمراته والزمان وثمراته وكانت الحرب قد تحررت من الفرق العضوي بين الرجل والمرأة بل هي تعتمد على الفكر والذكاء أكثر من العضلات أصبح الجميع ذا دور في السلم والحرب في آن.
وتكوين المرأة في جميع الاختصاصات بات ضروريا. لكنه ليس جديد لأن المرأة كانت أيضا متمكنة من كل الاختصاصات التي كانت تحتاج إليها في المجتمعات البدائية بل إن كل أسرة كانت شبه قادرة على الإيفاء بكل حاجياتها من خلال دور المرأة عناية بشروط التربية العضوية والنفسية وبرعاية الثروة المحققة للعيش بالحد الضروري في كل عصر.
ماذا حدث في الحضارة الإسلامية؟
ورغم أن الإسلام حتى قبل أن يؤمر الرسول بالتبليغ وبل وحتى قبل أن يتأكد من أنه رسول يبين تاريخ الحدث الإسلامي أن للمرأة فيه دورا تقدمت به على كل الرجال من هذا الوجه أعني من وجه الفاعلية الرمزية :
ولولا ذلك لما أمكن للرسول أن يعتد برأي خديجة في مسألة الوحي والنبوة. فهي أول من اسلم واكد للرسول أنه رسول بحق.
فخديجة فضلا عن السند المالي والاجتماعي كانت السند المعنوي الأول للرسول في تجربته الوجودية وفي صدمة تلقيه الرسالة التي تزلزل الكيان من كل إنسان صادق الوجدان.
ورغم أن الرسول كما هو معلوم قد جعل النساء في مستوى العطر والصلاة ورغم علاقة الحب المكين لعائشة أم المؤمنين وفضلا عن كونها من أهم مصادر السنة رغم ذلك كله ما يزال المجتمع الإسلامي لم يحسم في هذا الدور المتعلق بالفاعلية الرمزية للمرأة ومن ثم بثروة الزمان تراثا ومنزلتها في المجتمع الإنساني السوي في ثروة المكان ثروة لأنها هي غاية كل تراث (الإبداع الجمالي) وكل ثروة (الحب) لم ينتقل المجتمع العربي من الفصل بين الجنسين بمعيار العضلات إلى الجمع بينهما بمعيار هذه القوة اللطيفة التي هي أصل تلك القوة العنيفة إن صح التعبير حتى في الحروب.
استغلال الثغرة مصدر الفتنة في حضارتنا
بل أكثر من ذلك فإن هذا الدور ليس مقصورا على الفاعلية الرمزية في بعدها الموجب الذي وصفنا. ذلك أنه يمكن أن يتعلق بالبعد السالب كذلك عندما يستغل الأعداء هذه الثغرة فيتحول دور المرأة الرمزي إلى أكبر عائق للطابع السوي للعلاقة بثمرة الزمان التي تتحول إلى تخريب الكيان.
فأكبر فتنة ما تزال الأمة تعاني منها نتجت عن توظيف أعداء الإسلام توظيفا فتنويا لدور المرأة في الإسلام. فمعاداة عائشة الظالمة ومحبة فاطمة الكاذبة تحولتا إلى شعارات طائفية تحاول بها الصفوية الانتقام من العرب الذين أخرجوهم من الظلمات إلى النور.
ذلك أن الذين جعلوا التاريخ الإسلامي كله وكأنه حرب بين امرأتين فاطمة وعائشة هم ذاتهم من جعل المرأة بضاعة رخيصة بعادة المتعة السيئة التي لم يعد فيها للمرأة أدنى علاقة بقيمتي الشرف والعرض بل إن العفة لم يعد لها أدنى معنى في تحريف جعل الدين مجرد غطاء لخبث سياسي مرضي ليس له من هدف إلا استغلال الشعب والمرأة في آن :
ذلك هو التحريف المرضي لدور المرأة في الحضارة من المنظور الشيعي والعلماني أيضا
فكلاهما لا يولي للشرف والعرض أدنى معنى. وتلك هي العلة في ما نراه يجري اليوم في الوطن العربي.
التحليل المفهومي والفلسفي لمنزلة المرأة
وفي الجملة فإن المجتمعات العربية خاصة والإسلامية عامة لم تحسن استعمال هذه القيم الناتجة عن دور المرأة في مسألة ثمرات الزمان تراثا ومنزلة لأنها قلبت ما كان ينبغي أن يحصل.
حافظت على الأمة والغت المعبودة. فهي قد اعتبرت زوال الحاجة إلى الحماية الفردية بوجود الدولة يعني زوال المعلول بزوال العلة. لكن المفروض أن يزول مفهوم الأَمة ويبقى مفهوم المعبودة.
فالمرأة ليست معبودة بسبب حاجتها للحماية بل بسبب صلتها بالجمال والجلال : الجنس والنسب.
وهذه العلة لا يمكن أن تزول لأنها هي جوهر منزلة المرأة لدى الرجل ومنزلة الرجل لدى المرأة إذا كانا حرين.
أعلم أن هذا الوصل شديد الحساسية وقد يسيء فهمه من لا يقبل البحث العلمي الموضوعي فيعتبره مسا بما يعتقده من المحرمات الدينية. لكننا مضطرون للذهاب إلى غاية النظرية لأن مطلوبنا هو وضع الاستراتيجية التي تحرر قدرات الأمة حتى تتمكن من الاستئناف المبدع فتحقق شروط استعمار الإنسان في الارض بقيم الاستخلاق.
والوصل بدور المرأة يتعلق باستراتيجة السياستين اللتين تنظم بمقضاهما ثمرات المكان وثمرات الزمان سر قوة الأمم في كل مراحل التاريخ الإنساني:
- سياسة الثروة والطبقة ويتبعهما المرأة والجنس بوصفهما الدافع الاساسي لكل الحياة العضوية لأنهما في الحقيقة أصلها الأول والأخير أو بداية الحياة العضوية وغايتها: المرأة والجنس.
- وسياسة التراث والمنزلة ويتبعهما المرأة والنسب بوصفهما الدافع الاساسي لكل الحياة الروحية لأنهما في الحقيقة أصلها الأول والاخير أو بداية الحياة الروحية وغايتها : المرأة والنسب.
ومثلما أن المرأة هي الوحيدة التي تضمن صفاء النسب وصدقه فإنها أيضا هي الوحيدة التي تشهد لفاعلية الجنس وثمرته أو عليهما. ومن ثم فالمرأة حاضرة في مستويي الإبداع العضوي والروحي.
- والأول هو منطلق الانتاج المادي ثروة وطبقة وغايته.
- والثاني هو منطلق الإنتاج الرمزي تراثا ومنزلة وغايته.
ومن هنا فحضور المرأة أساسي في الغربالين وجوهري بالنسبة إلى ثمرات المكان عضويا وإلى ثمرات الزمان روحيا ومن ثم فهي عقدة الوصل بين نوعي الثمرات إذ هي بدايتها وغايتها وشرط بقائها.
وتلك هي أكبر معضلة في حياة الإنسان. ذلك أن كون المرأة حاضرة في كل هذه الوظائف يجعلها مشتتة بينها وخاصة بين أهم مطلبين: عضوي وروحي.
ولما كان تقسيم المرأة فعليا ليكون نصف منها للعضوي والثاني للروحي
- جعل الله العضوي غاية الروحي (الجنس) إذ يصبح متعة.
- وجعل الله الروحي غاية العضوي إذ يصبح نوعا من الخلود (النسل).
فتم الوصل بين ثمرات المكان بغايتها (المتعة من المرأة للرجل ومن الرجل للمرأة) وثمرات الزمان بغايتها (النسل من المرأة للرجل ومن الرجل للمرأة).
والمجتمع لم يجد حلا لهذه المعضلة فصلا بين الغايتين فرضي بأفسد حل حاجة كل المجتمعات إلى نوعين من المرأة للرجل ونوعين من الرجل للمرأة أيا كان الشكل لهذا التقسيم :
- مرأة للمتعة الجنسية من دون حصانة النسب اي من دون الانجاب المسؤول.
- ومرأة لحصانة النسب ولو من دون المتعة الجنسية اي من دون الحب المسؤول.
وبين أن هذا المشكل لم تجد له الإنسانية بعد حلا يحقق الجمع العادل بين الوظيفتين في نفس المرأة : كيف تكون عشيقة للمتعة الجنسية وزوجة للنسب الثابت؟
وما يقال عن المرأة بمنظور الرجل يقال عن الرجل بمنظور المرأة :
- رجل للمتعة الجنسية من دون حصانة النسب.
- رجل لحصانة النسب من دون المتعة الجنسية.
والأسرة سواء في شكلها التقليدي الموسع أو في شكلها الحالي المضيق هي الحل الوحيد الذي اكتشفته البشرية وهي تتضمن هذين النوعين لكن في مستويين مختلفين : أحدهما في الاعيان والثاني في الأذهان.
وقد يوجدان كلاهما في الأعيان وخاصة في المجتمعات الغربية. لكن هذا الحل ليس ضامنا حقا للجمع بين المطلبين إلا نادرا.
لذلك فالأسرة ليست ظاهرة بسيطة تقبل الرد لتعينها الظاهر بوصفها علاقة بين زوجين ذكر وانثى وأصول وفروع. إنها علاقة شديدة التعقيد ويكذب من يتصور أن البشرية وجدت لها حلا يرضي الجنسين.
وأول تعقيداتها يتمثل في الظن أنها علاقة بين زوجين فعليين إذ يقتصر الكلام على ظاهر الأعيان ويهمل باطن الأذهان. ولو كانت حقيقتها كما هي في ظاهر الأعيان لما وجد مشكل أصلا. إنها علاقة بين زوجين فعليين في ظاهر الأعيان وهي في آن علاقة بين زوجين آخرين في باطن الأذهان : فتكون علاقتين بين صورتين لدى كل منهما في صلته بالثاني.
- علاقة بين زوج الأحلام وزوج الواقع لدى المرأة وهو ما ينتج لدى الزوج منافسا متوهما يصعب أن يتخلص منه : هو زوج زوجته في الأحلام.
- علاقة بين زوجة الأحلام وزوجة الواقع لدى الرجل وهو ما ينتج لدى الزوجة منافسة متوهمة يصعب التخلص منها : هي زوجة زوجها في الأحلام.
ولو كان ذلك مقصورا على ما في وعيهما كليهما لما كان مشكلا. إنما المشكل مصدره أن كلا منهما يعلم أن حال زوجه في علاقته به كحاله في علاقته به:
كلاهما يشك -حتى وإن لم يكن ذلك حقيقة- بأن ما في أحلام صاحبه غير ما في واقعه. فكل منهما يعتبر المنتظر لدى زوجه خصيما مفترضا ينازعه زوجه الفعلي.
فتكون العلاقة بين أربعة أزواج وليست بين زوجين :
- الزوجان الفعليان وهما دائما ضحية زوجين منافسين متخيلين منهما : صورة منافسة الزوجة التي تتوهمها في ذهن زوجها وصورة منافس الزوج الذي يتوهمه في ذهن زوجته.
- الزوجان المنافسان في خيالهما : الزوجة لها منافسة تتصورها ما ينتظره زوجها ولم يجدها فيها. والزوج له منافس يتصوره ما تنتظره زوجته ولم تجده فيه.
والحياة الزوجية هي هذا الصراع بين زوجين موجودين فعليين وزوجين موجوديين وهميا. وقد تكون فاعلية الزوجين الوهميين أكبر بكثير من فاعلية الزوجين الفعليين. ذلك أن أهم فعل حميم- الجماع- يمكن أن يحصل ماديا بين الزوجين الفعليين. لكنه روحيا يحصل في مناخ خيالي بين الزوجين المتخيلين.
ولا حل لهذا المشكل إلا الحل الأفلاطوني أو الحل القرآني إذا لم ترد الإنسانية الخروج منه علما وأن القضاء عليه حتى في حالة الحلين الأفلاطوني والقرآني مستحيل رغم أنه في الحل القرآني يحقق أقصى الممكن دون أن يلغي المشكل إلغاء تاما:
- الحل الأفلاطوني : مشاعية النساء وهو ما كررته الماركسية وما يبدو الغالب في المجتمعات الغربية حتى وإن لم يكن ذلك معتقدا رسميا فضلا عن محاولة تخليص العلاقة إما من النسب أو من الحب.
- الحل الإسلامي : اعتبار الزواج عقدا حرا يحل كما يعقد بتوافق الزوجين مع شيء من عدم العدل في جعل التعدد ممكنا للرجال بالتساوق وامتناعه للنساء إلا بالتوالي. وحل التوالي يحقق بعض العدل.
ذلك أن الاعتراض بعدم العدل في مسألة التعدد المسموح به للرجال وغير المسموح به للنساء ليس مطلقا. فالتعدد مسموح به للنساء ولكن بالتوالي وليس بالتساوق كالحال بالنسبة إلى الرجال. والعلة هي البحث عن حل يوفق بين مقصد النسب ومقصد الحب. فإذا غاب مقصد الحب يصبح الطلاق هو الحل وإذا حضر مقصد الحب يمكن الحفاظ على النسل دون ضرر بالمرأة. ومع ذلك فإن عدم ارتباط ضمانة النسب بالرجل هو الذي جعله أكثر حرية في مسألة التعدد.
هذا الحل القرآني يستمد جوهر الفرق مع الحل الأفلاطوني من هذه الخصائص وخاصة من التوفيق بين الحب والنسب في حين أن أفلاطون ألغى الحب والنسب ولم يبق إلا على العلاقة الحيوانية للجنس وحرم الأطفال الأسري وجعلهم أبناء الدولة.
ومعنى التعدد بالتوالي هو أن المرأة يمكن أن تتزوج مرات عدة بعد الطلاق والعدة. والإسلام لا يحقر من الطالق بل العكس. والدليل أن النبي لم يتزوج إلا بكرا واحدة وجميع نسائه كن متزوجات من غيره. ولعل موريتانيا ما تزال محافظة على احترام النساء غير الأبكار كما يقتضي ذلك حق التعدد المتوالي بالنسبة إلى النساء.
ورغم ذلك كله فإن مشكل الأسرة يبقى معضلة المعضلات في مسألة ثمرات الزمان غير المباشرة : ذلك أن مشكل التراث والمنزلة في علاقته بمشكل الثروة والطبقة يتمحض في مشكل العلاقة الزوجية ومنزلة المرأة لدى الرجل ومنزلة الرجل لدى المرأة. فتكون الأسرة ليست النواة العضوية لتواصل الأجيال العضوي فحسب بل هي النواة الحضارية لتواصل الاجيال الروحي.
ولهذه العلة كانت سورة النساء جامعة بين هذه الإشكاليات كلها : الثورة والطبقة والتراث والمنزلة ووحدة الجماعة الصورية (الحكم والتربية) والمادية (الاقتصاد أو الانتاج المادي والثقافة أو الإنتاج الرمزي).
الخاتمة
وختام قولي هو ما كنت دائما استدل به على سخف علمانيي العرب لأنهم غير مدركين للأعماق التي حاولنا الغوص إليها. ما يثبت سطحيتهم هو اعتبارهم أهمية مسألة المرأة والجنس والنسل والنسب لدى الإسلاميين دليلا على أمراض نفسية.
ولما كنت على دراية وأظن أنه قل من ليس على دراية بأن العلمانيين هم أكثر الناس مرضا وهوسا جنسيا واقلهم استقرارا عاطفيا وزوجيا فإني أفهم أن الأمر كله اسقاط مرضي لما يعانون منه بعد تبين فشل الحل الأفلاطوني أعني غاية ما توصلوا إليه برد الجنس إلى البهيمية والتخلي عن ثمراته العاطفية والعضوية رغم أنهم يدعون الكلام باسم الحب والتنازل عما عداه.
والحب في بعده الجنسي لحظي ولا ثبات له. ذلك أن الحب المتحرر من دوره في العلاقة بين الرجل والمرأة أساسا لثمرات المكان والزمان التي هي مقومات استعمار الإنسان في الأرض بقيم الاستخلاف لا يمكن أن يكون مثمرا أو مستقرا.
وإذن فهم لا يفقدون الأسرة فحسب بل وكذلك الحب الصادق الذي يتحرر من النزوات اللحظية ليكون كما أرادته فطرة الإنسان أساسا للحياة المستقرة عضويا ونفسيا وشرطا في ثمرات المكان وثمرات الزمان مباشرها وغير مباشرها.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/