أنطولوجيا العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي – الفصل الثاني

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله انطولوجيا العلاقة

من الأدلة القاطعة على علاقة الرمز بالمرموز في الجماعة الإنسانية خلال مراحل الحضارة الأولى هي أن الأحياز بنوعيها هي عينها حوامل الرمزية. ومثال واحد كاف: فحامل رموز الثروة والتراث هو البدن نفسه وليس ما يكسوه من ثياب: في القبائل الأولى كان البدن عاريا وهو بذاته لوحة فنية حية. وهي لوحة فنية دالة على الثروة والتراث: فدلالتها على الثروة هي حمله للريش والمحار وكل ما يرمز للثروة وحمله للوشم الدال إلى الأنساب والشعائر. وطبعا فمراحل الحضارة التي تظن متقدمة عليها يؤدي فيها البدن نفس الوظيفة وإن كان متخفيا تحت الكساء الذي يعبر عن الثروة والتراث أنسابا وشعائر. الفاصل الكسائي يرمز إلى الفصل بين الرمز والمرموز الذي لم يكن موجودا سابقا لأن الأشياء كانت رامزا ومرموزا في آن: كلاهما يؤدي دور الثاني. وقبل المرور إلى المسائل الموالية في انطولوجيا العلاقة بين الوجودين الفعلي والرمزي نلاحظ حنين الحضارة المتأخرة إلى مراحلها المتقدمة. فشباب الغرب مثلا-ومن يحاكيه من شبابنا-يحن إلى العري وإلى الوشم وإلى الحلي دون فصل بين الذكر والانثى وإلى حياة بسيطة متحرر من تعقيد الحضارة. ومن أهم الدوافع في السياحة هذا الحنين إلى البساطة والحد من المسافة بين الرمز والمرموز للتحرر مما يفصل الإنسان عن الأشياء الطبيعية العارية. والعكس صحيح: فسائح العالم الثالث في الغرب يطلب العكس تماما. يريد أن يظهر قدرته ما يظنه تميزا للغربي عليه. الغربي تكفيه خيمة والعربي أغلى فندق. أذكر مثال زميلة كورية الجنوبية (فيلسوفة ألمانية) طلبت مني أن أبحث لها عن أرخص مسكن لزيارة ماليزيا وثري عربي زائف طلب مني أغلى فندق لزيارتها. ما رأيناه من أمثلة انطولوجية العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي في بداية الحضارة وفي غايتها كاف ولنمر إلى بيان دور الثاني في الأول. إلى حد الآن بدا كلامنا وكأننا نقدم دور الوجود الفعلي على الوجود الرمزي معتبرين هذا مجرد تابع لذاك. وهذا ارتسام أولي لا يطابق حقيقة الدورين. ففي بداية الحضارة لا يوجد فصل واضح بين الرمز والمرموز ومن ثم فالارتسام لا يمكن أن يكون صحيحا. وذلك شرط إمكان السحر: معاملة الاسم كالمسمى. وإلى حد الآن يوجد هذا السلوك عند الإنسان: لذلك كان الكلام أكثر إيلاما من الأفعال أحيانا. أنت قد تسامح من ضربك. لكن لن تسامح من عيرك. ففاعلية الرمز أقوى من فاعلية المرموز في مستوى التأثير على الأرواح: المدح الكاذب. والأبدان الشيء فيها أفعل من اسمه: كلمة خبز لا تغذي البدن. وقد صادف أن سمعت قصة المواطن السعودي الذي أرسل للملك رسالة وردت الاجهزة عليه بما اظهره في تسجيلة الذي هو رسالة الأجهزة لكل سعودي. فحال الرجل في الفيديو الثاني هي الرسالة وهي والرموز فيها هي آثار رد الأجهزة الأمنية البينة من حاله: تهديد كل سعودي يعبر عن رأيه بنفس المآل. المهم هنا هو التمثيل للعلاقة بين الوجودين الفعلي والرمزي. والباقي يعني اي مواطن سعودي وعربي فجميعهم يحكمهم مثل هذه الحيوانات الوحشية. فلا فرق بين الكاهنة إيسونا في رواية سارابند التي اخذت منها أمثلة وأفعال حكام العرب للإبقاء على الحال أو لإيقاف ثورة الشباب عليها: الربيع. والأدهى هو أن حكام العالم بدين العجل الذهبي يحكمون بنفس الطريقة خارج بلادهم بل أولئك ليسوا إلا أذرع هؤلاء: مافيات العرب أدوات لحماتهم. هم مثل كاهنة قصتنا. فبنفس المنطق يستعملهم سادتهم: مخابرات الانظمة العربية تعذب كما تشاء بخلاف مخابرات أمريكا فتكلفهم باستخراج المعلومات. وما أظن أحدا يجهل بأي طريقة يحكم بشار والسيسي وحفتر وحكام الإمارات بل وكل الحكام العرب بما فيها تونس على الأقل قبل الربيع وثورة الشباب. واريد أن أختم هذا الفصل الثاني بملاحظة لعلها هي التي ساهمت في الدافع لكتابة هذه المحاولة: كيف أفهم التعذيب الذي نجد وصفه في القرآن الكريم؟ ولست الوحيد الذي تحيره هذه المسألة. وهي تطرح في شكل السؤال عن الخلود في النار. ولا مهرب منها بالقول إنها رمز دقة العدل ورمز صرامة الحساب. لا أحب الكلام في المسائل الكلامية. لكن هذه تتعلق بما قد يستعمله من يتصور أن تحقيق العدل في الدنيا هو من جنس ما يتعلق بالعدل في الأخرى. وهذا لو استعمل لشكك في العدلين الدنيوي والأخروي. وسأخصص بحثا لعلاج هذا المشكل لأني ودون أدنى شك أنزه الله عن أن يأمر جلادين بتعذيب خلقه. وارى الحل من الآن. فالعلاقة بينة بين الأمرين: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. عذاب الآخرة لأصحاب عذاب الدنيا. إنه جلد الجلادين وتحذير ضد التجالد. ولما كان الجلادون في الدنيا هم المستبدون والفسدة فإن الله يبين لهم أنه يوجد من هو أقوى منهم أقدر على جعلهم يجلدون أنفسهم بأنفسهم. فيعيشون الانجلاد الأبدي. ويكون الشعور به ثمرة انجلاد ذاتي أشبه ولنا منه مثال وخز الضمير: فهو انجلاد ذاتي روحي أشد من الانجلاد المادي. فالشعور باللذة وبالألم ليس بالضرورة ناتجا عن تأثير خارجي بل هو كامن في كيان الإنسان الجسدي والروحي: ويمكن اعتبار العقاب الإلهي من جنسهما. لكن التعبير عنه هو من جنس العلاقة بين الوجودين: الشيء ذاته يكون رمز ذاته. التعذيب في القرآن يوصف كشيء رامز لذاته: يفهم بنظرية الجرجاني. هو مشهد له معنى أول كمدلول يصبح دالا لمعنى ثان. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعل كل البشر يفهمون معنى العقاب الإلاهي بالترامز الجرجاني. وبهذا المعنى ينبغي فهم ما يسمى بعذاب القبر: فهذا العذاب يعيشه من لا ينسى الموت لكن الغالبية لا يعيشونها إلا في الاحتضار وبعد الموت فحسب. فالشعور بوخز الضمير ملازم للوجود لأن الإنسان ليس خطاء فحسب بل مدرك لكونه خطاء ومن ثم فحصول الخطأ مع الوعي به وخاصة بعده وهو وخز الضمير. وعندما يتراكم هذا الوخز في لحظة الاحتضار بسبب موته قبلها عند من ينسى الموت يكون أشد من نار جهنم. والأسئلة مدارها ما يؤدي إلى نسيان الموت. والاحتضار هو حضور الموت للوعي الذي ران على مرآته صدأ الإخلاد إلى الارض فأنساه إياها حتى إذا حضرت حضر معها ما بحضوره يمثل المحاكمة الحاسمة. والدليل القاطع أن كل الجوارح تصبح شهودا على أفعال صاحبها. فالبدن والروح كلاهما يسجل ما يفعل بمعايير أحسن التقويم والرد إلى أسفل السافين. وحاصل القول وزبدته أن الدنيا هي المعنى وأن الآخرة هي معنى المعنى: الدنيا مشهد له دلالة هي الحياة الدنيا دليل لمدلول هو الحياة الأخرى. نسبة معنى “يقدم رجلا ويحرك أخرى” إلى معنى “يتردد” كمعنى المعنى هي عينها نسبة معنى “الحياة الدنيا خيرها وشرها” إلى معنى معناه الحياة الأخرى. وهنا لا يتعلق الامر بوجودين دنيويين فعلي ورمزي بل بوجودين أسمى منهما: أخروي هو الفعلي وأدنى هو الرمزي. الدنيا رمز للأخرى في كل شيء. وهذا المخرج أدين به للمحاسبي رغم أنه هو تكلم على الجزاء الموجب وأنا أتكلم على السالب. فـ”التوهم” هو قدرة المؤمن على خلق “لذائذه” بتوهمها. وقياسا عليه اعتبرت من عدا حدود الله (المجرمون) له نفس القدرة لخلق كل “آلامه” بمجرد توهمها. فيكون الله قد جعلهما ينتجان ما يناظر أفعالهما.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي