أنطولوجيا العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي – الفصل الأول

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله انطولوجيا العلاقة

انتهينا خلال في مجموعة التسمية والتوازي بين الثقافي والبايولوجي ومجموعة انطولوجيا الترميز إلى نتائج مهمة تتعلق بما بين المجموعتين من علاقات. فالعلاقة بين لغة الفنون ولغة العلوم في مجموعة أنطولوجيا الترميز وبين الذوقي والعلمي بمستوييهما الاول وبمستوييها الثاني صلة بتعيين الأحياز. والقصد بتعيني الأحياز ووجودها خارج الأفراد محلا لقيامهم ومصدرا لشروط حياتهم المادية والروحية ووجودها في مقومات كيان الفرد الجسدي والروحي. فكيان الفرد الجسدي يناظر للمكان وكيانه الروحي يناظر للزمان وما يدخره الجسد من غذاء مناظر للثروة وما تدخره الروح مناظر للتراث: تناظر تام. ويجمع بين الأحياز الأربعة في كيان الفرد وفي كيان محيطه الطبيعي والتاريخي تتحد في أصل واحد هي فروعه وهو المرجعية الروحية المتعينة فيهما. وعلينا الآن أن نفهم العلاقة بين الترميزين الرياضيين في الفنون وفي العلوم والتناظرين في العالم الخارجي وفي الفرد من مستويي الذوق والعلم. وسأبدأ بالتناظر بين أحياز العالم الخارجي الذي يستمد منه الحي عامة نباتا وحيوانا وإنسانا شروط وجود وبقاء وأحياز كيان الفرد التي هي عينة منها. لكن الأحياز بصنفيها الخارجي المتعين في المكان والزمان والذاتي لأفراد الكائنات الحية ليست فيما بينها طبيعيا بل هي متناظرة مع الترميز وبفضله. فلنشرح ذلك لأن فيه من الفوائد العلمية ما لا يحصى وبها يمكن أن نفهم ظاهرات الحضارة الإنسانية بكل مراحلها بفضل هذا التناظر مع مراحل الترميز. فالعلاقة بين مستوى الذوق الاول ومستوى العلم الأول يبقى من أهم مقومات الوجود الإنساني مهما تحضر البشرية: فأساسهما الغذاء والجنس غاية وأداة. ومستواهما الثاني يواصلها رغم أنه أكثر تعلقا برموزها أكثر من كونها متعلقا بكيانها الذي ترمز إليه الرموز بدائل منها في مستويات التحضر الموالي. ومن مفارقات هذه الظاهرة أن التعلق بالرموز وعدم التمييز بين الرمز والمرموز في المستوى الأول من الذوق والعلم يعد من خصائص الحضارة في بداياتها. كيف ذلك: حضور الجغرافيا (الطبيعة) والتاريخ (الثقافة) في مراحل الحضارة المتقدمة أكثر التصاقا بقيام الفرد والجماعة منه في مراحلها المتأخرة. ذلك أن فاعلية مستوى الذوق الأول (الغذاء والجنس) ما زال من أغلى شروط الحياة وخاصة خلال البحث عنها وخاصة للتمييز بين ضار المأكولات ونافعها. والتعلم بالإصابة والخطأ يكون حينها فعليا لا مجرد تجريب منهجي لنظرية كما يحدث في لاحق الحضارة: يموت الجائع بأكل الفطر السام أو الماء المعفن. وليس من اليسير أن يستخرج العلاقة السببية بين ما أكل أو شرب وما حصل: ويبقى مع ذلك الذوق هو الدافع للمغامرة لسد الحاجة وتراكم معرفة المحيط. فإذا لم يخزن ذلك في ذاكرة المجرب ويبلغ لمن لم يجرب استحال على الجماعة أن تحتمي من الأضرار المتأتية من المحيط: بداية تكون تراث الخبرة وخزنه. والخزن الأول هو الذاكرة وبعض الترميز المكاني خاصة بالرسم وهي اللغة الأولى في جميع الحضارات. وحفظ التراث أولى الوظائف وهي بداية تقسيم العمل. وخزن المواد التي تسد الحاجة هي أولى مراحل تكوين الثروة الملازمة لتكوين التراث. لأن الخزن في الحالتين هو أهم ما أضافته الثقافة للطبيعة. فيضيف الإنسان حيزين من صنعه إلى حيزي المكان والزمان اللذين يحولهما بهما إلى مكان صيغ فصار جغرافيا إنسانية والزمان إلى تاريخ إنساني. والمرجعية الموحدة توجد الأعيان وفي الأذهان أصلا للأحياز الخارجية ونظائرها الداخلية وهي ذات قيامين مادي (المعالم المقدسة) ورمزي (المعتقدات). إنه أصل الأديان البدائية الوثنية وعبادة الطبيعة (معين سد الحاجة الذوقية) والتاريخ تعبيرا عنها ولا تمييز بين الرمز الشيء: السحر فاعلية رمزية. والكثير من الناس يتوهم أن البشرية لما تقدمت استقرت ولم تعد مرتحلة طلبا لسد حاجة الذوق في مستواه الأول وينسون أن الاستعمار يواصل نفس الغاية. الفرق الوحيد أن ما كان يطلبه الإنسان الأول هو ما يحتاج إليه الذوق الاول غذاء وجنسا وما يطلبه الآن هو رموزهما والحاجة المتوقعة لا الحاصلة. الإنسان الأول كان خاضعا للحاجة الفعلية غذاء وجنسا والإنسان الحالي يحركه التنافس على حيازتها للتمانع بين الجماعات عليها وخوفهم من الاحتكار. والمعلوم أن علم الاقتصاد اساسه ليس سد الحاجة بل الخوف من الندرة الممكنة وليس بالضرورة الحاصلة بالفعل: المحرك هو رمز الحاجة بالقوة أي الخزن. لذلك اعتبر ابن خلدون في الباب الأول من المقدمة أن الأديان والعلوم كلها ناتجة عن الخوف من المستقبل وإرادة توقعه لتجنب فقدان ما يطلبه الذوق. وهذا الطابع المباشر للعلاقة بالأشياء هي أكثر العلاقات رمزية إذ هي لا تؤخذ كأشياء بل كرموز لذاتها رسوما دالة بمعناها على معناه: جرجانية. فالغذاء المادي رسم معناه الاكل الذي هو معنى دال على معنى المعنى التحرر من الجوع الممكن فيتولد عن ذلك معنى المعنى أي الخزن “العولة”. ثم يتولد عنه معنى معنى معنى المعنى أي رمز قدرة سد الحاجة أو الملكية والثروة ثم المعنى في المستوى الأخير سلطة صاحبها على المحتاج إليها. وحينئذ يصبح صاحب السلطة هو الذي يستطيع التملك بالقوة وشرعية المتغلب وهي جنسان: المسيطر على السلاح المادي والمسيطر على السلاح الرمزي. والأول هو الحاكم بالسلاح المادي أو الأقوى بالسلاح والثاني هو الحاكم بالسلاح الرمزي أو الساحر أو الأقوى بالرمز. وسأخذ مثالا آخر من رواية ساراباند ودور القوتين من أجل الذوق بمعنييه الغذائي والجنسي. المثال أوامر الكاهنة إيسونا والحل السحري الذي تطلبه. كلفت الأصغر من أخوين تعتبرهما ابنيها وعشيقيها في آن بعد فشل الأكبر “Der Mystische Krieger soll das Auge des Volkes sein. Geht ,alle beide . Sucht nach Mammuts und bringt mir ein Opfer . Und sucht nach dem weissen Mammut. Ich muss wissen, wo es ist, und es mit eigenen Händen töten, denn in sienem Fleisch liegt die Kraft des Sammes des Wachenden Sterns und das ewige Leben und die Jugend für die Tochter der Sonne und für alle, die von seinem Blut trinken” هذا النص وحده كاف لفهم التماهي الحميم بين الشي ورمزه. قالت “ينبغي أن يكون المحارب الصوفي (الاخ الاصغر) عين الشعب الباصرة. إذهبا كلاكما (الأخ الأكبر الذي عزلته عن القيام المهمة) وابحثا عن المواميت (جمع ماموت بقر وحشي) وإاتياني بأضحية (عذراء يضحى بها في عرس وتأكل القبيلة لحمها). وابحثا عن الماموت الابيض. لا بد أن أعلم أين يوجد وأن أقتله أنا نفسي بيدي ففي لحمه تكمن قوة قبيلة النجوم الساهرة والحياة الخالدة والشباب لبنت الشمس (التي هي هي كاهنة القبيلة) ولكل من يشرب من دمه”. الأسماء رمزية والأفعال رمزية وكلها يتطابق فيها الاسم والمسمى: المأكول غايته تحقيق الحياة الخالدة وليس سد حاجة الجوع. أكل أقوى قبيلة للحم أقوى حيوان وللحم عذراء ليس أكلها هي فسحب بل وأكل معبودها الوثن رمز خالق الرجل الأول والمرأة الأولى جدي القبيلة الأقوى. واسم القبيلة يحيل إلى هذه العلاقة بخالق الزوجين الأولين اللذين تنحدر منهما القبيلة: قبيلة “النجوم الساهرة”. والحنيفية تحرر من هذا الدين. التحرر من حصر الإنسانية في قبيلة مختارة وعبادة الأفلاك والأضاحي البشرية واعتبار الخلود عضوي ودنيوي بالغذاء المادي وإن بدلالة رمزية. وبهذا المعنى فاليهودية هي بداية النكوص إلى الدين الذي وصفته هذه الفقرة -عبادة العجل- والتحكم في الإنسان بحاجة الذوق المادي غذاء وجنسا. رمز الغذاء (الثروة) ورمز العلم (التراث) تجاوزا المباشرة في دين العجل إلى ما سميته رمز الفعل (العلمة) وفعل الرمز (الكلمة) أساسي كل سلطان.

فالعولمة غاية دين العجل بمعدنه وخواره: خوف الندرة ورمزه الخزن واحتكار أكبر قدر ممكن من الثروة والتراث يتحكمان في مستوى الذوق والعلم الثاني.

الذوق الذي انتقل من مستواه الأول سد الحاجة الأولية إلى مستواه الثاني جعل مستوى العلم هدفه سيطرة الأدوات غير المباشرة على الغايات المباشرة.

فغايات الحياة -الغذاء والجنس-أصبحت هي بدورها أدوات السلطان في دين العجل. فالمحتكر لهما لمواد سدهما يسيطر على فاقدها: استراتيجية العولمة.

والاحتكار لا يحققه إلى صاحب القوة المادية والرمزية اللتين تحولان دون غيره من الحصول عليهما من دون وساطته: منطق التمانع أساس حرب الاحياز.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي