أزمة حزب؟ أم أزمة دولة؟

سمعت النقد الموجه لرئيس الجمهورية حول تدخله في أزمة الحزب الحاكم.
وعجبت

كنت انتظر أن يكون النقد متعلقا بعدم الحسم مع الاستئصاليين فيه لا مجرد الكلام في أزمة الحزب.
لومي إذن -إذا كان لي أن أعلق- هو ليس لماذا تدخل بل لماذا تدخل دون حسم.
فلست من القائلين بالشكلانية الدستورية المنافية لروح خطة الرئاسة.
فمن مهام الرئيس حماية الدستور وحماية الوطن.
وعند التعارض فهذه مقدمة على تلك.
إذا اختلت وظائف الدولة بانخرام شروط الحكم السوي فالتصويب مقدم على شكليات الدستور
لكن إذا لم يكن التدخل محققا لهذه الغاية فهو تعد مجاني على الدستور لأنه لم يكن معللا بقضية سلامة الدولة وأمن البلاد بل بمناورات سياسوية في حزب.

كتبت للرئيس رسالة مفتوحة.
ولمته فيها على السكوت عن الاستئصاليين في حزبه والهروب من المسؤولية باسم الدستور.
وكان وعده أنه سيفعل ولن يهرب
وكتبت رسالة ثانية لم تكون موجهة مباشرة له ولكنها كانت تتمة للأولى وفيها رايت أن وضع البلاد يضعه امام خيار بين الحسم في سلوك الاستئصاليين أو الاعتراف بالعجز

بعد الحادث الأليم و استشهاد رجال من خيرة حماة تونس كتبت ما يفيد بأن ذلك قد يمثل فرصة للرئيس فيحسم بمبدأ طرق الحديد وهو ساخن.
ما فهمته من خطابة هو الاعتراف بالعجز عن الحسم.
وسبق أن عبرت عن موقفي خلال رئاسته للحكومة الثالثة بعد الثورة من حل جهاز الاستعلامات.
وكان الدعاة لهذا الحل -أكثر الفئات صلة به خلال حكم ابن علي- الخائفين من ملفاتهم لديه.
وقد كتبت حينها بأن حله يعني جعل الدولة عمياء تماما
ويعلم جسد الأمن في تونس كم كنت من المدافعين عن صيانته من التدخلات والمحافظة على حياده.
وكان يمكن للثورة تحقيق ذلك.
لسوء الحظ لم يحصل

خوفي أن يكون عجز الحسم سببه هذه المسألة التي فيها الكثير من الغموض والشك:

كل دولة تصبح في مهب الريح إذا وصلت الفتنة إلى جهاز أمنها.
كتبت سابقا أن عهد الباجي بدأ بما انتهى به عهد بورقيبة (مشكل الخلافة) لكنه تضاعف بما انتهى به عهد ابن علي (مشكل الأمن):
لا بد من مصارحة الشعب.

ليس لرئيس الدولة الكثير من الوقت حتى يدخل في المناورات السياسوية والطبخ الهادئي داخل حزبه:
المسألة لا تقبل التأجيل فتونس في وضع خطير وفتنة حزبه قد تخرب الوطن.
ذلك ما كنت أنتظره منه في كلمته ليلة الأمس:
إما الإعلان عن كيفية الحسم
أو الاعتراف بالعجز وطلب المساعدة من القوى السياسة الأخرى.
فخطابه أمس قد يشجع الاستئصاليين والقوى الخفية التي تستعمل الترهيب حتى وإن لم تكن هي أصله لعمومه.
لكن توظيف الظاهرة يبدو قد يصبح سلاحا في الصراع على الخلافة في الحزب وفي الدولة.
لذلك فليست مخالفة الدستور في حد ذاتها هي المشكل بل المشكل هو الحرص على توفير شروط بقاء الدولة:
الدستور جُعل لحماية الدولة والبلاد لا العكس

وعلى كل فموقفي من الدستور معلوم:
أفسد دستور عرفته البلاد وهو دون السابق مناسبة لواقع البلاد.
فمجرد التفكير في نظام برلماني بعد ثورة دليل سذاجة سياسية لم أر لها مثيلا.
ثانيا لا يمكن في بلد ليس له تقاليد ديموقراطية وبعد ما مر به أن يمر مباشرة إلى أكثر الأنظمة الديموقراطية هشاشة في مناخ من اتقاد العواطف والانفعالات وعدم الاستقرار.
فإذا أضفنا أن النظام الانتخابي الخالي من شروط إفراز قوة سياسية قادرة على الحكم فإن المأساة تصبح مطلقة:
تفتت القوى السياسية يعني عدم نجاعة جهاز الحكم
في العالم كله عندما يكون النظام برلمانيا يكون مصحوبا بحد أدنى من نسب الأصوات للدخول إلى البرلمان لاستبعاد الهامشيين المتطرفين يسارا ويمينا (تركيا 10 في المائة ألمانيا 5 في المائة)

ختاما أرى من الواجب المسارعة بأمرين:

  • حسم الخلاف في الحزب الحاكم
  • وحسم مراجعة الدستور ومراجعة النظام الانتخابي لتحرير الدولة من هشاشة النظام.

حجة أن الدستور حدد بأنه غير قابل للتحوير لمدة معينة سخيفة: ففيه تقييد لإرادة الشعب مصدر كل شرعية.
تجاوز ذلك ممكن بالاستفتاء وبسرعة.
فالرئيس كبير السن ومريض والمعركة في حزبه ستزداد خاصة والجميع يعلم أن وراءها صراع دولة عميقة ورجال أعمال ألله أعلم بما في قلوبهم حقا
وقد سبق أن كتبت رسالة سنة 2000 عندما وقعت معركة التحوير الدستوري وكان موقفي رافضا للشكلانية:
فاقترحت الاستفادة من الفرصة للإصلاح

وحسب رايي فالجمع بين توسيع التمثيل وجعله أداة حكم يقتضي أن يوجد برلمان بغرفتين :

  • إحداهما تعتمد التمثيل الشخصي
  • والثانية النسبي المطلق

والغرفة الأولى هي التي تحكم بفضل ما لها من أغلبية بينة
والغرفة الثانية تمكن كل القوى السياسية من التفكير الجمعي لتحديد القيم المشتركة.

معنى ذلك أن موقفي من النظام البرلماني ليس نفيا كليا له وخيارا للنظام الرئاسي بل الهدف كان توحيد السلطة التنفيذية في الفعلي دون الرمزي
الفصل بين الفعلي والرمزي في السلطان مثاله ما يوجد في ألمانيا أو في بريطانيا وكلاهما لهما ثقافة ديموقراطية عريقة.
عندنا ذلك ممكن
وحسب رواية ابن خلدون فالحكم في غاية النظام الإسلامي كان:

  • خليفة ذا سلطة رمزية
  • وسلطان ذا سلطة فعلية

ويمكن البناء على ذلك مع التحديث

طبعا رئيس الدولة لن يسمى خليفة بل رئيس الدولة ورئيس الحكومة لن يسمى سلطانا بل رئيس حكومة والأغلبية هي صاحبة السلطة الفعلية لمدة معينة
وحتى نتجنب رذائل النظام البرلماني ونحافظ على فضائله لا بد من وضع نظام انتخابات يمكن من الحصول على غرفة قادرة على الحكم مع غرفة ثانية
والغرفة الثانية معدِّلة ويشارك فيها جميع القوى السياسية لأنها تخضع لنظام النسب والقائمات ولها حق التصدي لتجاوزات غرفة السلطة الفعلية
فتكون السلطة الرمزية مزدوجة: سلطة رئيس الدولة وسلطة الغرفة الثانية وهما بعدا الشرعية الرمزية مشخصة في الرئيس ومعبرة عن الجماعة في آن

أما النظام الحالي فهو سيكون مصدر أزمات لا حد لها.
فلن يكون دائما الرئيس والحكومة من نفس الحزب.فنقع في ما يسمى بأزمات التساكن الفرنسي



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي