أدعياء الحداثة، لم هم عبيد القشور؟ وما دورهم؟

ه

من كان يصدق أن “المتمركسين العرب” وتوابعهم من “القوميين” بعد استتباع السوفيات للأنظمة التي تدعي القومية العربية في الإقليم قد أصبحوا ديموقراطيين ينبغي أن يكون ساذجا. فها نحن نراهم في كل تجارب الربيع يختارون صف نوعي الأنظمة اللذين يؤيدان الثورة المضادة التي انقسم إليها العرب.
فحكام العرب انقسموا إلى طراطير محميات الذراع الإيرانية (حليفة روسيا الحالية التي هي بقية روسيا الاستعمارية التي ساهمت في اضعاف الخلافة قبل سقوطها) وإلى طراطير محميات الذراع الإسرائيلية (حليفة أمريكا التي هي بقية أوروبا الاستعمارية التي فتت دار الإسلام وأسقطت الخلافة) لـمحاربة الإسلام.
فوقع نزول في مستوى الحامي بعد السوفيات جاء دور إيران وبقية الروسية وبعد أوروبا الاستعمارية جاء دور إسرائيل وأمريكا. لكن الخونة العرب من الحكام والنخب مثلهم انتقلوا من مستوى أجدادهم الذين نصبهم الاستعماران الغربي والشرقي إلى أحفادهم الذين تولوا دور الغفراء في المحميات ودفع الجزية.
وليس هؤلاء الغفراء والطراطير هم من يعنيني في هذه المحاولة بل النخب التي تدعي الحداثة والتقدمية والماركسية والقومية وخاصة التنويرية والريادة الفكرية والفنية أو السيطرة على الساحة الثقافية في خدمة هؤلاء الطراطير والغوافير ممن يحتمون بثقافة الاستعمار خلطا بينها وبين فكر الحداثة.
ويمكن أن أقسم هؤلاء الأدعياء إلى خمسة تكوينيات تاريخية متوالية بحسب التجمعات العربية الخمسة:

  1. بدأ الأمر في الشام الذي كان أول المبتلين بهذه العاهة حيث كانت القومية العربية مجرد حمار ركبه أعداء الأمة للحرب على الخلافة بدعوى التخلص من الاستبداد والجهل العثماني لكأن العرب كانوا عباقرة العصر في كل مصر. وجلهم لم يكن يدري لكن خبثاءهم كانوا يدرون أنهم أدوات لاورنس العرب في لا يحتاج مني لشرح لتحقيق سايكس بيكو الأولى ومنها إنشاء اسرائيل. وما يجري اليوم مقدمات لسايكس بيكو ثانية.
  2. ثم تلا الشام مصر وما حولها وهم من نفس الصنف.
  3. ثم تلاهم المغرب الكبير وما حوله.
  4. تلاهم الخليج وما حوله.
  5. ولم يبق إلا مجموعة القرنين قرن افريقيا وقرن الجزيرة العربية.
    وهذه هي المجموعة الأخيرة التي يراد اخضاعها بنفس المنطق لفرض شروط الغرب والشرق على الأمة حتى ينزعوا منها شرط حصانتها الروحية ومناعتها التاريخية أعني ما يسمونه بالإسلام السياسي والهدف هو منع شروط الاستئناف أي توحيد الأحياز الخمسة.
    وإذن فالظاهرة واحدة توالت في التجمعات الخمسة لتي ينقسم إليها ما يسمى بأنظمة الجامعة العربية والهدف هو تثبيت سايكس بيكو الأولى والمساعدة على سايكس بيكو الثانية التي هي بصدد التحقيق المتدرج بثمرة توظيف إيران وإسرائيل الذراعين والأنظمة العربية التابعة لهما حربا على الربيع وتركيا.
    واستهداف الربيع وتركيا من ممثلي هذه الظاهرة ليس بالصدفة لأن الربيع بين أن الشعوب لم تفقد المناعة التي تمثلها المرجعية الإسلامية وهي خط الدفاع الأساسي في كل الحروب كما بين كلاوسفيتس: فلا يهزم شعب ما ظل محافظا على إرادة المقاومة وهي عنده ثالثة المراحل في الحروب وعندي هي الأصل.
    المرجعية الروحية للأمم هي الاصل وليست ثالثة بل هي مصاحبة للمرحلتين الأولتين لتضاعفهما وتنفرد بذاتها كأصل في البداية وفي الغاية من كل حرب: فهي تصاحب سلاح الجيش لئلا ينكسر بسرعة وتبقى حتى بعد انكساره وتصاحب ثبات الشعوب حتى تحت الاحتلال فلا تحتل الارواح وهي جدار الصد الأخير. وتركيا يحاربونها كذلك لعلتين:
    • أولا لأنها بصدد استرجاع ذاتها وهويتها.
    • وثانيا لأنها حصن يحمي شعب الربيع وبعض قياداته.
    وهو ما يذكر بدورها من بداية التصدي للاستعمار في القرن التاسع عشر حيث كانت زعامات المقاومة تلجأ إلى أرض الخلافة. فيكون الجامع بين من يعاديهم من صنفت هو عودة ما يسمونه بالإسلام السياسي لكأنه يمكن تصور الإسلام من دون سياسة لشروط التعمير والاستخلاف.
    ذلك أننا يمكن أن نعتبر من أهم علل الانحطاط هو منع الإسلام من أداء دوره السياسي والحكم بالجاهلية بدلا من تربيته التي تكون الإنسان ليكون معمرا للأرض وخليفة فيها بالعلم والعمل على علم وبدلا من حكمه لأمره دون وصاية من المستبدين لأن الشورى هي شورى الأمة لحكم نفسها بنفسها (الشورى 38).
    ولما كان الربيع قد بين أن الأحياز بدأت تسترد وحدتها وأن تركيا بدأت تسترد هويتها علموا أن سايكس بيكو الأولى أصبحت مهددة فضلا عن سايكس بيكو الثانية التي كانوا ينوون الشروع فيها. وإذن فما يجري هو مسألة الأحياز الخمسة:
  6. الجغرافيا.
  7. والثروة.
  8. والتاريخ.
  9. والتراث.
  10. والإسلام روح الأمة وأساس حصانتها.
    وهكذا فقد حددت الرهان الذي يمثل مدار الاستراتيجية الإقليمية والدولية: تثبيت سايكس بيكو الأولى بما يسمونه الدولة الوطنية أي المحافظة على تفتيت جغرافيا دار الإسلام لمنع التنمية الاقتصادية وتشتيت تاريخها لمنع التنمية الثقافية وتهديم الأصل أي الإسلام الموحد لروح الأمة والممثل لحصانتها.
    وهذه وظيفة أدعياء الحداثة العرب من اليساريين والقوميين عربا كانوا أو أتراكا أو كردا أو أمازيغ لا نظير لهم اليوم اسلاموفوبيا في العالم إلى اليمين الأوروبي المتطرف وهو جنود هذه الحرب على وحدة الجغرافيا شرط لتنمية المادية ووحدة التاريخ شرط التنمية الثقافية وأصلها أربعتها: الإسلام لـحام الأمة وسر وحدة أحيازها.
    ولا أنوي هنا مجادلتهم في مواقفهم من الوحدة الجغرافية سياسيا-لتأسيس كتلة مناسبة لعماليق العصر في العالم-ولا من الوحدة التاريخية المناسبة لها ولا من دور الأولى في التنمية الاقتصادية ولا من دور الثانية من التنمية الثقافية ولا حتى من الإسلام. فهذه من البديهيات الاستراتيجية للسيادة.
    ما أنوي الكلام فيه هو: إثبات أنهم من جنس من يدعون الثورة عليهم أعني أنهم جامية العلمانية ولا يختلفون في شيء عن جامية الدين في الإقليم. فعلاقة أولئك بالحداثة من نفس طبيعة علاقة هؤلاء بالإسلام. هؤلاء فقهاء السلاطين الذي يوظفون الدين وأولئك هم فقهاء السلاطين الذين يوظفون الحداثة.
    ونسبة فقهاء السلاطين الموظفين للإسلام إليه هي خلط قيمه بقيم الجاهلية. ونسبة فقهاء السلاطين الموظفين للحداثة إليها هي خلط قيمها بقيم الاستعمار. كلاهما يخلط أمرين هما من طبيعة واحدة هما الحرية والكرامة يمثلهما الإسلام السياسي وأمرين تحاوزهما الإسلام السياسي وهما الجاهلية والاستعمار.
    وما يجعلني شديد التفاؤل حتى إن بعض الاصدقاء يعجبون مني ظنا أن تفاؤلي لا يبرره ما يجري. لكني ما يجري هو ما جعل كل هؤلاء الاعداء يجمعون على محاربته لأنه زلزال تاريخي كوني: الربيع العربي وتركيا أثبتا وحتى الثورة المضادة والذراعين إيران وإسرائيل أثبتوا جميعا أن وحدة الأحياز لم تمت.
    ما مات هو سايسك بيكو لا وحدة الجغرافيا الإسلام السياسي. وحتى داعش التي صنعتها المخابرات فهي ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لو لم يكن يوجد شباب قد غرر به ليدخل في مشروعها دون أن يكون داريا بدوافعها لكنه كان داريا بدوافعه التي خدعوه بإيهامه أنها هي دوافعهم: هو كان يحلم بعودة الرمز الذي استغلوه مستغفلينه به للتشويه.
    وما كانوا ليستغلوا رمزا ميتا. هم استغلوه ليجهزوا عليه بعد أن اكتشفوا أنه ما يزال حيا. والثورة المضادة اضطرت لتجاوز لحدود عسكريا وسياسيا لأن الثورة أنهتها نهائيا رمزيا وحتى فعليا إذ هي لم تعترف بها بل امتدت في الإقليم كله وهي لا بد مجهزة عليهم مهما فعلوا ومهما وجدوا من سند.
    وما كانت وحدة الجغرافيا تبقى حية حقا لو كانت وحدة التاريخ قد ماتت فعلا بل جذوة حياتها هي التي نراها بصدد بعث وحدة الجغرافيا بما فيها من وحدة التراث. ولذلك فهم يهدمونه ليجعلوا الأجيال تنساه. وظاهرة الاستئناف بارزة خاصة في تركيا. وهو بالمقابل الدليل القاطع على أمرين:
    • فهو أثبت فشل العلمنة التي أرادوها بعد ثمانية عقود من العنف والترهيب.
    • وهو أثبت أن استعادة الذات شرط في التنمية والنهوض في أقل من عقدين.
    وتلك هي العلة التي لأجلها رأس أردوغان مطلوبة. فهو صار الرمز الذي لم يعد بالوسع إزاحته لأنه أثبت أمرين كانا يعتبران حجة الحجج عند أدعياء الحداثة في الإقليم عربهم وأتراكهم وأكرادهم وأمازيغيهم:
    • حتمية قلب صفحة تاريخ الأمة الإسلامي.
    • استحالة التوفيق بين الإسلام والديموقراطية السيدة.
    ولماذا وصفت الديموقراطية السيدة؟
    الغرب لا يرفض أن تكون جماعة ذات ديموقراطية ما يرفضه هو الديموقراطية السيدة أي الحقيقية وليس الموزية. فلو قبلت مصر في عهد الرئيس المنتخب تلقي الاوامر من واشنطن وتل أبيب لما حصل الانقلاب. ولو قبل أردوغان ذلك لما حاولوا اسقاطه مرات ومرات.
    وحاصل القول وزبدته هو أن من أردت الكلام عليهم أي الماركسيين والقوميين في الإقليم أو من يسمون أنفسهم يسارا هم في الحقيقة حلفاء علل التبعية والخلف:
  11. فهم ضد وحدة الجغرافيا وإذن ضد التنمية الاقتصادية.
  12. وهم ضد وحدة التاريخ إذن ضد التنمية الثقافية.
  13. وهم ضد الإسلام إذن ضد السيادة الحضارية.
  14. وهم عبيد لقشور سادتهم وفضلات موائدهم.
  15. ولذلك فهم ضد كرامة الإنسان وشرف الانتساب إلى الإسلام.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي