**** أخلاق العبيد أو تشخيص أمراض النخب العربية الفصل الأول
عندما اسهمت في علاج المناورة التي لجأ لها رئيس فقد ادواته كلها ولم يبق له إلا اللعب على الوتر الذي يمكن أن يرضي “المسؤول الكبير”، سعيت لتجنب الفخ الذي اراد نصبه للإسلاميين ظنا منه ومن ندمائه أنهم ما زالوا مغفلين كما كانوا في المراحل السابقة من تاريخهم السياسي الحديث. فضلت أن أنقل المعركة إلى أرضهم فجعلتها قانونية واقتصادية وثقافية، وخاصة في المجال الذي يفضح نفس ما فضحه المسعى إلى جعلهم يعودون بسرعة إلى الحكم حتى يتبين أنهم لم يتغيروا حتى يتأكد الشعب أن “الحكومات الاربع” هي من أكاذيب الكفاءة المزعومة التي “مفيزت” كل شيء في تونس. واحمد الله أن خاتمة هذا الاختبار كانت ردود فعل من مثقفيهم المزعومين، أعني الحثالة التي أغلبها من خريجي الحانات و”بصاصي” الداخلية والمخابرات من أدناهم إلى اعلاهم، وحتى ممن يتصورونهم زعماء أو قادة. فقد فضحتهم قضية التقرير كما فضحتهم الثورة، وبينت انهم بقايا “القُومية” أو الحركيين. والآن أريد في هذه المحاولة الشروع في علاج قضيتين: • قضية فساد معاني الإنسانية في نخب الحداثة العربية عامة وفي نخب تونس ومصر خاصة (حصرا في من أعرفهم جيد المعرفة) • المرور إلى العلاج البنيوي والفلسفي لمسألة الفرائض وصلتي الرحم الكونية والجزئية في النساء من 1 إلى 42 وكان يمكن ألا أخوض في المسالة من هذا المنظور لو كان الأمر متعلقا بهذه القضية الظرفية قضية المناورة الرئاسية. لكن تنمر البعض ممن أراد، وإن بغير وعي، أن يعيد الإسلاميين إلى المربع الأول فيجعل المسألة متعلقة بتأويلات القرآن بدلا من علاجها بما يفسد إلى أعدائه لعبة التعالم الهرمينوطيقي. ولما كنت قد عريت الكثير من أدعياء الكلام في المسألة الدينية، وهم من حثالة أقسام العربية في تونس ومصر وفرنسا- كلهم منها ناصر حامد أبو زيد، عركون، الشرفي، وهم اعلام التخريف حول الفكر الديني مع بعض أدعياء النقد الثقافي في الآدب- وكنت جربت قراءة القرآن فلسفيا، فإن هذا المنظور بات مطلوبا. لذلك جمعت هذين المدخلين، • أولهما استكمالا للبحث في علل تخلف أدعياء الدفاع عن التحديث من نخب العرب • والثاني استكمالا للبحث في علل تخلف منه هم من جنسهم من أدعياء الدفاع عن التأصيل من نخب الإسلام. ورغم أني عربي، فإني اعترف بأن أكثر المسلمين تخلفا في التحديث والتأصيل هم العرب. ولا أعني بالعرب من هم عرب بالجنس- وأنا من هؤلاء- بل كل من صارت ثقافته عربية بعد أن خرجوا من تاريخ الحضارة الإسلامية ذاتها ونكصوا إلى الجاهلية، ولا يزالون من الماء إلى الماء، إذ هم في الاقليم أكثر شعوبه فوضى وتخلفا، وأكثرهم دعوى حداثية هم أقربهم للبداوة والقبلية من المغرب إلى العراق. وإذن فالقضية ليست عرقية وليست حتى حضارية، بل هي نكوص إلى ما قبل الحضارة الإسلامية: بدأ بسبب الانحطاط، ثم تدعم بسبب وهم استرجاع هويات سابقة على التاريخ الإسلامي في الأنظمة القومية، ولاحقة للتاريخ الإسلامي عند أدعياء الحداثة ممن تبنوا الدولة القومية بالمعنى الأوروبي دون ثقافتها.
وما لم نفهم أن النكوص مخمس الأبعاد: 1. نكوص بسبب الانحطاط بالخروج من التاريخ الإسلامي الفاعل والجمود في عادات القبلية التي حررنا منها الإسلام 2. نكوص إلى ما قبل الإسلام لتأسيس “المحميات القطرية” (فرعوني بابلي قرطاجني) 3. نكوص إلى القومية الاوربية في شكلها العنصري، ثم تبني التنظيمات السياسية الفاشية لأوروبا ما بين الحربين في الاحزاب القومية العربية 4. تبني النظام المزعوم اشتراكيا في الانقلابات العسكرية 5. وأخيرا تبني الأنظمة القبلية الأكثر تخلفا حضاريا رغم الثراء المادي لليبرالية والعلمنة بقيادة المراهقين: علل الاستثناء العربي الخمسة.
ذلك أن الدول الإسلامية التي تحررت مما يحول دونها والجمع السوي بين الأصيل والحديث، موجودة في غير المسلمين العرب أو الذين تعربوا من أهل الاقليم: فتركيا وماليزيا وإندونيسيا وحتى باكستان، كلها تمكنت بشيء من النجاح لا يستهان به في تحقيق ما يمكن اعتباره بداية الاستئناف السوي للبناء. وأذكر أن الكثير من البعثيين العراقيين والسوريين على حد سواء كانوا يعادونني لما كنت لا أصدق خطابهم، وخاصة عندما يدعون أن العراق مثل نمور آسيا وأنه قوة عظمى. كنت اعتبر هذه الكلمة “قوة عظمى” لها دلالتها عند القذافي في كلامه على ليبيا. واثبت التاريخ أن العراق أكثر تخلفا من بقية العرب. وما نراه في سوريا والعراق وليبيا وفي مصر وما سنراه في الكثير من دول الخليج التي تبدو غنية من أوهام الحداثة، لا يحتاج للكثير من العمق حتى نعلم أن العرب كلهم في الهوى سواء وأنهم ما يزالون استثناء لا بد من فهمه للتمكن من التغلب عليه. وأدق تفسير هو مفهوم “فساد معاني الإنسانية الخلدوني”.
وبه أبدأ وصف النخب الخمس التي تتألف منها أي جماعة ذات أنظمة سياسية ومعرفية واقتصادية وثقافية وذوقية ورؤية تجعلها بحق جماعة يمكن أن تبني حضارة تعبر عن حرية الفرد وأخلاقه وعن قيم الجماعة وشروط قيامها رعاية وحماية، بحيث تصبح أهلا لأن تعتبر مواصلة لحضارة الإسلام.